وقفة مع الشباب
لي وقفة مع الشباب:
أولاً: أقول للشباب: ماذا تنتظرون؟ هل تنتظرون إلا مثل أيام الذين خلوا من قبلهم؟ هل تنتظرون إلا لعنة الله، وغضبه، وأخْذ الله، ومقته، وعذابه؟
أقول لهم: ما لهم؟ أي حياة يعيشونها؟ أين يسيرون؟ في ماذا يقضون ليلهم ونهارهم؟
أقول لهم: ألا يتقون الله؟ جعلوا مصحفهم المجلة الخليعة! وتلاوتهم الأغنية الماجنة! ومسجدهم ملعب الكرة! أنا لا أحرم ملعب الكرة، ولا أحرم الكرة؛ لكن إذا بلغت إلى حدٍ تعارض فيه الصلاة وتلغي الصلاة وتكون تحزبات وولاءً لغير الله فإنها تكون غضباً وسحقاً ومحقاً.
إذاًَ فيا أولئك الشباب الغائبين الذين ما حضر منهم أحد: اتقو الله في مستقبلكم، اتقو الله في أمتكم، أما قرأتم التاريخ؟
مصعب بن عمير يأتي في جبة فيراه النبي صلى الله عليه وسلم فتدمع عيناه، ترك الدنيا وزهرتها ومناصبها، وسكب روحه في سبيل الله.
أنس بن النضر يقول له أحد الأنصار، وهو سعد بن معاذ : [[عُدْ إن الناس فروا، فقال: إليك عني يا سعد ! والذي نفسي بيده! إني لأجد ريح الجنة من دون أحد]] ويُضرَب بثمانين ضربة في سبيل الله.
أرواحنا يا رب فوق أكفنا نرجو ثوابك مغنماً وثوابا
كنا نرى الأصنام من ذهب فنهدمها ونهدم فوقها الكفارا
لو كان غير المسلمين لصاغها حلياً وصاغ الكنـز والدينارا
ويأتي جعفر بن أبي طالب شاب قاتل الروم، فيأخذ الراية بيده اليمنى فتُقطع، فيأخذها باليسرى فتقطع، فيضم جناحيه على الراية وهو يقول:
يا حبذا الجنة واقترابها طيبة وبارد شرابها
والروم روم قد دنا عذابها كافرة بعيدة أنسابها
فيا شبابنا! يا أمل المستقبل! يا زهرة الغد! يا بسمة الفجر! لماذا هذا الإعراض عن (قال الله، وقال رسوله صلى الله عليه وسلم)؟ أما رأينا ماذا فعل الله بالشباب الذين أعرضوا عنه؟ أصابهم بمقت من عنده وأصابهم بمرض، قال تعالى: فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ [الصف:5]. فيا شباب الإسلام! أوصيكم بثلاث وصايا:
طلب العلم.. وأهميته
الوصية الأولى: علم الكتاب والسنة: أن تقبلوا على العلم جادِّين، مثابرين، لا يفوتكم درس ولا محاضرة ولا كتاب إسلامي ولا شريط إسلامي، تحفظون أيامكم ولياليكم وساعاتكم مع الواحد الأحد، فإذا حفظتم أوقاتكم حفظكم الله من فوق سبع سماوات، ومن حفظ الله حفظه الله، ففي سنن الترمذي ومسند أحمد بسند صحيح: أنه صلى الله عليه وسلم قال لـابن عباس : {احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، تعرف على الله في الرخاء يعرفك في الشدة، إذا سألت فسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن الأمة لو اجتمعوا على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه لك، وإن اجتمعوا على أن يضروك لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رُفِعت الأقلام وجفَّت الصحف }. فيا إخوتي في الله، حفظ العلم وحفظ الوقت إنما يكون مع الله الواحد الأحد.
</SPAN>
الإقلاع عن المعاصي والتوبة من ذلك
الوصية الثانية: أوصيكم ونفسي بالتوبة من المعاصي، وبالرجوع عن الخطايا والذنوب، وباستغفار الواحد الأحد من السيئات؛ فإن الذنوب موبقات ومحبطات ولعنات والعياذ بالله، يقول الله في بني إسرائيل: فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَنَسُوا حَظّاً مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ [المائدة:13] ابتلاهم الله بقسوة القلوب وباللعنة وبأنهم نسوا حظاً مما ذكروا به من العلم بسبب معاصيهم: وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ [الشورى:30]. فالله الله في حفظ الله والانتهاء عن المعاصي، حفظ الله في السمع والبصر، والفرج والبطن، واليد والرجل والجوارح، لا يزال العبد حافظاً لله حتى يحفظه الله، لا يزال العبد يتقي الله حتى ينجيه الله عز وجل، عين تنظر إلى الحرام لا تحرم عليها النار، أذن تستمع إلى الغناء قد يحرم عليها دخول تلك الجنة التي فيها كل خير وكل فضل وكل بركة. فيا إخوتي في الله! عاقبة المعاصي وخيمة، وانظروا فعلها في كثير من الشباب الذين انحرفوا، الذين كثير منهم يسكن في مدننا وقُرانا وفي أريافنا، كثير منهم تركوا المساجد، تركوا الصلوات الخمس، عقوا الوالدين، وقطعوا الرحم، واستمعوا إلى الغناء، زنوا، ورابوا، وفَجَروا، حينها ضيَّع الله مستقبلهم، وأطفأ نورهم، وأذهب بركتهم، قال تعالى: وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَخْزَى وَهُمْ لا يُنْصَرُونَ [فصلت:16].
الاعتناء بالجليس الصالح
الوصية الثالثة التي أوصي بها شبابنا: اختيار الجليس الصالح، يقول عليه الصلاة والسلام: {مثل الجليس الصالح والجليس السوء كبائع المسك ونافخ الكير، فبائع المسك إما أن يحذيك من طيبه أو تشتري منه، ونافخ الكير إما أن تكسب منه رائحة منتنة أو يحرق ثيابك } وهذا الجليس الصالح، الشاب الصالح الداعية العالِم العابد الزاهد تكتسب منه خلقاً، وتكتسب منه ديناً، وتكتسب منه فضلاً، أما الشقي -والعياذ بالله- فلن تكتسب منه إلا بُعداً من الله، ولن تكتسب منه إلا غضباً من الواحد الأحد -نعوذ بالله- يقول الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ [الزخرف:67] ويقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: فَمَا لَنَا مِنْ شَافِعِينَ * وَلا صَدِيقٍ حَمِيمٍ [الشعراء:100-101].
قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه وأرضاه: [[تزودوا من الإخوان فإنهم ذخر في الحياة وفي الآخرة، قالوا: في الحياة صدقت، أما في الآخرة فكيف؟ قال: يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى في الكافرين والمنافقين والفجرة: فَمَا لَنَا مِنْ شَافِعِينَ * وَلا صَدِيقٍ حَمِيمٍ [الشعراء:100-101] فلو كان له صديق صالح لنفعه ]] وهذا استشهاد عجيب.
قال الشافعي وقد كتب للإمام أحمد مقطوعة من أحسن ما يكتب من الشعر يقول:
أحب الصالحين ولستُ منهم لعلِّي أنال بهم شفاعة
الشافعي يتواضع وهو العابد الزاهد يقول للإمام أحمد : إن من نعمة الله علي أني أحب الصالحين لكني لست من الصالحين، أما نحن فبإساءتنا وذنوبنا ومعاصينا نبرئ أنفسنا، يغضب أحدُنا إذ قيل له: يا بعيداً عن الله، والفَسَقَة يغضبون إذا قلت لأحدهم: يا فاسق، وقد فَسَقَ من سنوات، والفاجر فَجَرَ من عشرات السنوات، إذا قلت له: يا فاجر ذابَحَك وحاربك، والشافعي يقول:
أحب الصالحين ولستُ منهم لعلِّي أن أنال بهم شفاعة
وأكره من تجارته المعاصي ولو كنا سواء في البضاعة
يقول: والحمد لله أنا أكره العصاة ولو كنتُ من العصاة؛ أكره من يتعدى حدود الله، ومن ينتهك حرمات الله، ومن يستهزئ بشرع الله، إلى أن يقول في شعره:
تعمدني بنصحك في انفرادٍ وجنبني النصيحة في الجماعة
فإن النصح بين الناس نوع من التوبيخ لا أرضى استماعه
فإن خالفتني وعصيت أمري فلا تجزع إذا لم تُعْطَ طاعة
فرد عليه الإمام أحمد وقال:
تحب الصالحين وأنت منهم وهم بك يرجون الشفاعةلأنه قرشي هاشمي ينتمي إلى لرسول صلى الله عليه وسلم، يقول: من داركم خرج البز الأبيض، ومن نهركم جرى ماء الحياة، ومن عُمْلتكم أتى الصيرفي الممتاز محمد عليه الصلاة والسلام، أنت تحب الصالحين وأنت من الصالحين، ومنكم قد أتتنا الشفاعة، من محمد صلى الله عليه وسلم. يا إخوتي! لا يغتر مغتر بجلساء السوء -والعياذ بالله- أو الرضا بأفعالهم أو بزياراتهم، لا بهدف دعوتهم ولا بهدف التأثير فيهم، هذه كلمتي للشباب وسوف يكون لنا عودة معهم في دقائق.